رجلٌ في الجحيم أم رجلٌ في النَّعيم؛ إلى مَنْ تستَمع؟؟
أنذهلُ جدّا! من عدد الأشخاص الذين يتبعون نصيحة شخص ما في الجحيم، بدلاً من شخص آخر في حضرة الله. ربَّما تتساءَل عمَّ أتحدَّث!!
يوجدُ قصّة معروفة في إنجيل (لوقا۱٦: ۱۹–٣۱)…
متسولٌ فقيرٌ اسمهُ “لعازر“، كان مؤمناً بالله. وشخصٌ آخر تمَّ التعريف عنه: أنَّهُ فقط رجلٌ ثريٌّ. مات هذان الرجلان، وذهبا إلى مكانين مختلفين للغاية. الغنيُّ انتهى به المطاف إلى الجحيم مكان العذاب، ولعازر المؤمن حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، إلى النعيم (الآية ٢٢). وكان بينهما هناكَ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا (الآية٢٦).
الرجل الغنيُّ يرى المتسولَ في حضنِ إبراهيم، فيدعو إبراهيمَ “يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ”، ويطلب منه كعمل رحمةٍ:”ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي” (لوقا٢٤:۱٦).
وتصبح القصةُ مثيرة للاهتمام!! يخبر إبراهيم الغنيَّ المعذب: أن بينهما هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ جداً! وأنه بينما كان ثرياً يتمتَّع ويعيش بوفرةٍ، كان لعازر فقيراً يُعاني لا يملك شيئاً! والأصعبُ من هذا: أنَّ لعازر توسَّل عند باب الغني، ولم يأخذ!! الكلاب حصلت على الفتات الساقط، ولعازر لم يحصل!! “الْكِلاَبُ كَانَتِ تَأْتِي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ” (الآية٢۱)، الصورة هنا: أن الكلاب أظهرت تعاطفاً وعزَّتْ نفسُها على المسكين بينما الرجل الغني لم يُظهرِ أيَّ تعاطفٍ تجاه لعازر الذي كان يتوسَّلُ عند بابه يومياً. وفي الحقيقة؛ يدلُّ هذا: أن حياة الرجل الغني كانت خاليةً من الحب والرحمة. وهاتان الصفتان لا يمتلكهما إلاَّ من يعرف الله!! وكلُّ هذا النقص في الحب والرحمة دليلٌ على عدم معرفته بالله!! وبالتَّالي عدم إيمانه بما قاله موسى والأنبياء!! ولو كان قد آمنَ لكان الآن في حضن إبراهيم مثل لعازر. ونلاحظ أنَّ الكتاب لم يذكرْ اسمَ الغنيَّ، والسبب في ذلكَ: أن اسمه قد حُذِفَ من سفر الحياة، لأنه مات وهو لا يعرف الربَّ وغير مؤمنٍ به (رؤيا٥:٣). فالإيمان يُولد في قلوبنا عندما نعرف الربَّ ونطيعه.
وأضاف الغني أيضاً طلباً من إبراهيم:”أَسْأَلُكَ إِذاً يَا أَبَتِ أَنْ تُرْسِلَ لِعَازَرَ إِلَى بَيْتِ أَبِي. لأَنَّ لِي خَمْسَةَ إِخْوَةٍ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُمْ لِكَيْلاَ يَأْتُوا هُمْ أَيْضاً إِلَى مَوْضِعِ الْعَذَابِ هَذَا” (الآية٢۷و٢٨)، بمعنى: إذا أمكن أن تُرسل لعازر، ليُحذرَ إخوته من مكان العذاب هذا؟ كانت استجابة إبراهيم واضحةً ومليئة بالحكمة:”عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ. لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ” (الآية٢۹)، أي أنّ هؤلاء الإخوة يمكنهم الوصول إلى كلِّ ما كتبه موسى وكلِّ ما قاله الأنبياء. وكان ذلك كافٍ جداً، لمساعدتهم في تجنُّب الجحيم إذا اختاروا أن يؤمنوا.
قال له إبراهيم:”عِنْدَهُمْ مُوسَى”، أي:أن لديهم كتب موسى الخمسة أولُ الأسفار المقدسة. “وَالأَنْبِيَاءُ” أي: كلُّ ما قاله الأنبياء أيضاً، والذي يُكمل العهد القديم. لماذا هذا مهمٌّ؟ لأن يسوع قال:”فتِّشوا الكُتُبَ لأنَّكُمْ تظُنّونَ أنَّ لكُمْ فيها حياةً أبديَّةً. وهي الّتي تشهَدُ لي” (يوحنا٣۹:٥).
أخبر إبراهيم الرجل الغني:”إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ” (الآية٣۱)..بمعنى: أنَّهم لن يُصدقوا، ولن يؤمنوا، حتَّى لو عاد شخص من الأموات ليحذرهم من الجحيم. والسبب هو أن الخوف من الجحيم لن يُنتجَ إيماناً بالله. ولا يمكن للخوف أن يلدَ الإيمان. لأنَّه “لا خَوْفَ في المَحَبَّةِ، بل المَحَبَّةُ الكامِلَةُ تطرَحُ الخَوْفَ إلَى خارِجٍ لأنَّ الخَوْفَ لهُ عَذابٌ. وأمّا مَنْ خافَ فلَمْ يتَكَمَّلْ في المَحَبَّةِ (۱يوحنا۱٨:٤). لذلكَ؛ أخبر إبراهيم الرجل الغني بوضوح: أن إخوانه يمكنهم تجنُّب الجحيم إذا آمنوا بما قاله موسى والأنبياء، “لأنَّ الإيمانَ بالخبرِ، والخبرَ بكلمةِ الله” (رومية۱٠: ۱۷).
الأمر المذهل في استجابة إبراهيم؛ أنه يتعارضُ كثيراً مع اللَّاهوت الذي نسمعه اليوم!! والذي يُعلمنا: أنَّ علينا تحذير الناس من الجحيم، وإذا لم نفعلْ ذلك فلن نكرز بالإنجيل الكامل!! يبدو أن إبراهيم لم يُصدقْ أن تحذير الناس لتجنب الجحيم سيساعدهم على تجنب الجحيم!!! فكيف يتجنب الإنسان الجحيم إذاً؟؟
أولاً: دعونا ننظر إلى لعازر الذي كان في حضن إبراهيم. كان مؤمناً ومعنى اسمه “إلهي يُعين”. ثانياً: لم يكنِ النَّعيم مكاناً للناس المثاليين أو الأبرار، بل كان مكاناً للتائبين الصَّالحين. ثالثاً: بما أنَّ الخلاص قائمٌ على أساس الإيمان والسلوك بالبرِّ والاستقامة أمام الله كإلهٍ صالح. نجدُ أنَّ إبراهيم لم يكنْ كاملاً!! فيُخبرنا الكتاب المقدس: أنَّ إبراهيم كذَّبَ أكثر من مرةٍ، وقال عن زوجته:”إنَّها أختي” (تكوين۱٢: ۱٣؛ ٢٠: ٢). وأيضاً، لم يُصدّقْ أنَّ الله سيُعطيه، فضحك (تكوين۱۷: ۱۷)..!!
هل ترى: أنَّ الأمر لا يتعلق أبداً بمدى صلاحنا! ولكن يتعلَّق بصلاح الله لنا. نسب الله لإبراهيم البر “فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرّاً” (تكوين۱٥: ٦)، لأن إبراهيم كان يؤمن باللهِ الصالح. واليوم، عندما نؤمن بيسوعَ، لا ينسب لنا “البرَّ” ولكن يجعلنا “أبراراً“.
لم يخلصْ إسرائيل، ولم ينلِ البرَّ بحفظ الناموس!! “لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ” (رومية٣: ٢٠)، لم يُطعِ النَّاموس ويحفظْه إلاَّ يسوع. واليوم نخلص بالإيمان بالمسيح. وسيتمُّ خلاص إسرائيل من خلال الإيمان بالمسيح.. فالقاسم المشترك بيننا وبين إسرائيل هو “إيماننا بالله الصَّالح“.
لقد فهم إبراهيم: أنَّ “معرفة الجحيم” ليست هي التي ستخلِّص الناس، بل “معرفة المسيح” الذي سيأتي لإنقاذهم. لن يُولّدَ الخوف الإيمان أبداً في قلب الإنسان. وكلُّ ما يمكن أن يفعله الخوف هو تعديل سلوك الشخص، ولكن الحبُّ وحده هو الذي يمكن أن يُغيّر قلبه. لا يهتم الله بتعديلِ السلوك بل القلوب المتغيرة. أراد الرجلُ الغني أن يكونَ مُبشِّراً بلاهوتٍ مُعيب يعتقد: أنَّ تحذير الناس من الجحيم، هو كيف يمكنهم تجنبه. أمَّا بالنسبة لي، سألتزمُ بحكمةِ إبراهيم في مساعدة الناس على تجنُّب الجحيم من خلال مساعدتهم على معرفة مدى طيبة الربِّ ومحبته.
وسؤالي لك: إلى مَنْ تستَمع؟؟ إلى رجلٍ في الجحيم أم رجلٍ في النَّعيم؟؟
Amazing!