الغريب الإلهي

الغريب الإلهي
0 103

قصة السامري الصالح والرجل الذي وقع بين أيدي اللصوص هي من أروع القصص في الكتاب المقدس. كثيرون يقرؤونها كدعوة لفعل الخير تجاه القريب، لكن في الحقيقة، هذه القصة تحمل معانٍ أعمق بكثير من مجرّد عمل الخير.

من المهم أن نلاحظ أن القصة لم تكن مثلًا رمزيًا فقط، لأن يسوع قال: “كان إنسانٌ نازلًا…”، وهذا يدلّ على أن الحادثة حقيقية. يخبرنا النص أن رجلًا نزل من أورشليم إلى أريحا، ووقع بين لصوص. من الناحية الجغرافية، أورشليم تقع في مكان مرتفع، وأريحا في مكان منخفض. والنزول من أورشليم إلى أريحا يعني النزول من الأعلى إلى الأسفل – من البركة إلى اللعنة.

فأورشليم تُشير إلى مدينة الله، مدينة الحضور الإلهي، بينما أريحا كانت مدينة ملعونة (يشوع لعنها بعدما أسقطها).
وهكذا، فالرجل الذي نزل من أورشليم إلى أريحا يُمثّل الإنسان الذي خلقه الله في البركة والمجد، لكنه اختار طريق الخطية، فابتعد عن الله وسقط في اللعنة، وصار مجروحًا، منكسرًا، ونصف حيّ. نعم، كل من لا يعرف المسيح هو “نصف حيّ” – جسده حي، لكن روحه مفصولة عن الله، وغير قادرة على أن تتواصل مع الأمور الروحية.

ثم يظهر في القصة السامري، الذي نزل عن دابته – وهنا تلميح عميق جدًا. يسوع لم يبقَ في السماء بعيدًا، بل “نزل” من مجده، واتّخذ صورة عبد، ليأتي إلينا ويخلّصنا. اقترب السامري من الرجل المجروح، نظّف جراحه، سكب الزيت والخمر، وضمّده. ثم حمله إلى الفندق، واهتمّ به.

الخمر يرمز إلى دم المسيح الذي يغسل خطايانا، والزيت يرمز إلى الروح القدس الذي يُنعش قلوبنا ويشفينا. أمّا الفندق، فهو يُمثّل الكنيسة – المكان الذي يعتني بالمؤمنين، ويُعالج جراحهم الروحية.

ثم سلّم السامري الرجل الجريح إلى صاحب الفندق (الراعي)، وأعطاه دينارين ليهتم به.

هنا نرى كيف أن يسوع، بعد أن افتدانا، وضعنا في كنيسته، وسلّم خدامه مسؤولية العناية بنا، وأعطاهم كل ما يحتاجونه – من نعمة، وحكمة، ومصادر – ليخدموا بها أولاده حتى يعود.

يسوع هو “الغريب الإلهي” الذي لم يتجاوزنا ونحن نئنّ في ضعفنا، بل انحنى إلينا، ولمس جراحنا، واحتضننا، واعتنى بنا. هو المخلّص، الشافي، والمعين.

لك المجد يا رب، لأنك لم تتركنا وحدنا!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.